في خطابٍ أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والتعليمية في 25 أكتوبر 2025، حذّرت النائبة يانا ستراندمن من حزب الفنلنديين (Perussuomalaiset) من أنّ نظام التعليم الأساسي الفنلندي، الذي طالما كان مصدر فخرٍ وطني، يواجه خطر التراجع بسبب تأثيرات الهجرة المتزايدة على المدارس، خصوصًا في المدن الكبرى. وقالت ستراندمن إنّ صورة "المدرسة الأفضل في العالم" بدأت تتصدّع، وإنّ «التغيّرات الاجتماعية والثقافية في الفصول الدراسية تهدد قيم الانضباط والمساواة التي بُني عليها التعليم الفنلندي». تحدّثت النائبة عن ظواهر جديدة وصفتها بالمقلقة، منها تزايد الشعور بانعدام الأمان داخل المدارس، وتراجع سلطة المعلم، وصعوبة التعامل مع حالات السلوك العدواني أو الفوضوي. وقالت إنّ "المدرسة التي كانت فضاءً للمعرفة أصبحت في بعض المناطق ساحةً للتوترات الثقافية"، مشيرةً إلى أنّ مظاهر العنف والتنمر و"تكوّن المجموعات الشبابية المغلقة" أصبحت أكثر وضوحًا في المدارس التي تضمّ عددًا كبيرًا من التلاميذ من أصول مهاجرة. وأكدت أنّ «هذا ليس الطريق الذي نريده لمجتمعنا».

وترى ستراندمن أن العلاقة بين المدرسة والأسرة، التي تُعدّ ركيزة النظام التربوي الفنلندي، لم تعد تعمل كما ينبغي في كثيرٍ من العائلات المهاجرة. فغياب اللغة المشتركة، وعدم إلمام الأهل بأساليب التعليم الفنلندي، وافتقارهم أحيانًا إلى المشاركة في متابعة أبنائهم دراسيًا، كلها عوامل تُضعف نتائج التعلم وتزيد من العبء النفسي على المعلمين. وأوضحت أنّ برامج إعداد المعلمين لا تجهزهم للتعامل مع هذا النوع من التحديات متعددة الثقافات، حيث يضطر المدرّس إلى أن يكون في الوقت نفسه معلّمًا، ومترجمًا، ووسيطًا ثقافيًا، وأخصائيًا اجتماعيًا. من جانبٍ آخر، أكدت النائبة أنّ ضعف إجادة اللغة الفنلندية بين بعض التلاميذ المهاجرين يُعدّ العقبة الأكبر أمام التحصيل العلمي، لأنّ الفهم المحدود للمحتوى يجعل الطالب متأخرًا، ويؤثر في تقدّم الصف بأكمله. وتشير بيانات وزارة التعليم لعام 2024 إلى أنّ الفجوة اللغوية بين الطلاب الفنلنديين وغير الناطقين بالفنلندية توسّعت خلال العقد الأخير، خاصةً في مادة اللغة الأم والرياضيات، رغم البرامج المكثفة لدعم اللغة الثانية (S2). وترى ستراندمن أن هذا الوضع «غير مقبول في بلدٍ بنى سمعته على تكافؤ فرص التعلم».

وتطرقت أيضًا إلى تكلفة خدمات الترجمة التي تُلزم البلديات بتوفيرها قانونيًا في التعاون بين المدرسة والأهل، موضحةً أن «المدن الكبرى مثل هلسنكي وإسبو وفانتا تضطر إلى التعامل مع عشرات اللغات في مدارسها، ما يجعل كلفة الترجمة عالية ودائمة». وتقول إنّ هذا العبء المالي والإداري يستهلك موارد التعليم التي كان ينبغي توجيهها إلى تطوير المناهج ودعم المعلمين. وأشارت ستراندمن إلى بُعدٍ اجتماعي أكثر عمقًا حين قالت إنّ «الكثير من الشباب من أصول مهاجرة لا يشعرون بأنهم فنلنديون حقًا»، وإنّ هذا الفراغ الهويّاتي يقود بعضهم إلى الإحساس بالتهميش والانفصال عن المجتمع، وربما إلى الانجراف نحو السلوك الإجرامي. وتعتبر أن هذا ما يجعل "الاندماج الحقيقي" هدفًا وطنيًا يجب أن يُربط بالالتزام بالقيم والقوانين المحلية، لا فقط بتعلّم اللغة أو الحصول على إقامة. وفي لهجةٍ تجمع بين النقد والمطالبة بالإصلاح، دعت النائبة إلى إعادة الاعتبار لسلطة المعلّم داخل الصف، ووصفت المدرسة بأنها يجب أن تكون "مكانًا للتعلم والانضباط، لا للتجريب الثقافي". وقالت: «المعلم يجب أن يكون قائد الفصل، لا موظفًا يخشى من قول كلمة لا». وأضافت أنّ المدرسة الفنلندية بُنيت على فكرة تعليم المهارات الأساسية والقيم الحياتية المشتركة، وأنّ فقدان هذا الاتجاه سيؤدي إلى تآكل جودة التعليم. كما شدّدت على أن التمكّن من اللغة الفنلندية يجب أن يكون شرطًا أساسيًا للمشاركة في التعليم النظامي، داعيةً إلى جعل برامج الاندماج أكثر إلزامًا ونتائجها أكثر قابلية للقياس. وقالت: «نحن لا نستطيع تحمّل خسارة مهارات القراءة والكتابة والحساب، ولا يمكننا قبول مدارس تفقد القدرة على التربية والتوجيه». وتابعت: «على المدرسة أن تعلّم، وأن تربي، وأن تهدي إلى حياةٍ صالحة. وعلى كل طفلٍ يتعلم في فنلندا أن يلتزم بثقافة المجتمع الذي يعيش فيه».

وفي ختام خطابها، أكدت ستراندمن أنّ «المدرسة الفنلندية ملكٌ للأطفال الفنلنديين ولكل من يريد أن يعيش في هذا البلد وفقًا لطريقته»، معتبرةً أن التعليم ليس فقط حقًا بل مسؤوليةً متبادلة بين الطالب والمجتمع. وقالت: «لكل طفلٍ الحق في أن يتعلم في بيئةٍ آمنة، ولكل معلمٍ الحق في أن يؤدي عمله دون خوفٍ أو مطالب تفوق طاقته». وقد أثارت تصريحاتها نقاشًا واسعًا بين السياسيين والباحثين في التربية. فبينما أيّد أنصار حزبها موقفها باعتباره «دعوةً لحماية التعليم الوطني من التفكك»، انتقدت أصواتٌ أكاديمية ما اعتبرته خطابًا إقصائيًا يختزل التحديات التربوية في عامل الهجرة وحده. وأشارت تقارير صادرة عن المجلس الوطني للتعليم الفنلندي (Opetushallitus) إلى أن نجاح المدارس المتعددة الثقافات يعتمد على دعم الدولة للمعلمين بالموارد والبرامج التربوية، لا على تضييق فرص التعليم أمام فئات معينة. ومع ذلك، يعكس الجدل الدائر حول كلام ستراندمن تحولًا أوسع في النقاش العام حول الهجرة والتعليم في فنلندا. فبينما كانت المدرسة لعقود رمزًا للمساواة والانسجام، باتت اليوم مرآةً لتوتراتٍ اجتماعية أعمق تتعلق بالهوية والانتماء والعدالة. ويبدو أن السؤال الذي يطرحه خطابها – «لمن تنتمي المدرسة الفنلندية؟» – أصبح سؤالًا وطنيًا مفتوحًا، يتجاوز السياسة إلى جوهر الفكرة الفنلندية عن نفسها: كيف تحافظ دولة صغيرة متقدمة على نموذجها التربوي في زمنٍ يتغير فيه المجتمع بسرعة؟

Arabi.fi