يشهد نظام التعليم العالي في فنلندا منذ عام 2025 نقاشًا واسعًا حول الرسوم الجامعية المفروضة على الطلاب القادمين من خارج الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية. فقد أعلنت جامعة آلتو (Aalto University) عن مقترحات جديدة تتعلق برفع الرسوم الدراسية وتعديل نظام المنح الدراسية، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا بين الطلاب والمهتمين بسياسات التعليم. وبينما تهدف هذه التغييرات إلى تعزيز استدامة الموارد المالية للجامعات، فإنها تطرح تساؤلات جوهرية حول عدالة التعليم وإمكانية الوصول إليه للطلاب الدوليين، ومن بينهم الناطقون بالعربية.

بحسب الموقع الرسمي لجامعة آلتو (aalto.fi، 2025)، تشمل المقترحات رفع قيمة الرسوم الدراسية لبرامج الماجستير والبكالوريوس المخصصة للطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي بنسبة تتراوح بين 10% و15%، مع تقليص حجم بعض المنح الممولة بالكامل. وبدلاً من ذلك، ستُمنح منح جزئية أو خصومات على الرسوم بناءً على الأداء الأكاديمي. الهدف، وفق الجامعة، هو جذب طلاب ملتزمين وذوي كفاءة عالية، وضمان استدامة مالية أكبر في ظل الضغوط على ميزانية التعليم العالي.

لكن هذه الخطوة تأتي في وقت حساس، حيث تشير إحصاءات Tilastokeskus (2024) إلى أن عدد الطلاب الأجانب في فنلندا تجاوز 30 ألفًا، يشكلون ما نسبته حوالي 7% من إجمالي طلاب الجامعات. ومن بين هؤلاء، عدد كبير من الناطقين بالعربية، الذين ينجذبون إلى فنلندا بسبب جودة التعليم، بيئة الأمان، وتكاليف الدراسة التي كانت منخفضة نسبيًا مقارنة بدول أوروبية أخرى. أي زيادة في الرسوم قد تجعل من الصعب على كثير من هؤلاء الاستمرار في دراستهم أو حتى التفكير في فنلندا كخيار تعليمي.

التحديات الناتجة عن هذه السياسات متعددة. أولها أن الطلاب الدوليين يعتمدون غالبًا على المنح الدراسية أو القروض لتغطية تكاليف الدراسة والمعيشة. ومع تقليص المنح الكاملة، سيُطلب منهم دفع مبالغ أكبر، ما يزيد من الأعباء المالية. ثانيها أن تكلفة المعيشة في فنلندا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت أسعار الإيجارات والمواد الغذائية والطاقة بشكل مستمر. ثالثها أن هذه التغييرات قد تضع الطلاب غير الأوروبيين في منافسة أشد على المنح المحدودة، ما قد يؤدي إلى إقصاء بعض الفئات التي لا تستطيع تحمل التكاليف.

قصص الطلاب توضح الصورة. ريم، طالبة عربية في برنامج الماجستير بهلسنكي، تقول: “كنت أعتمد على منحة كاملة تغطي الرسوم والمعيشة. الآن أخشى أن تتحول المنحة إلى خصم جزئي فقط، وهذا سيجبرني على البحث عن عمل بدوام جزئي أو ترك الدراسة.” أما يوسف، طالب بكالوريوس في مجال التكنولوجيا، فيشير إلى أن رفع الرسوم قد يجعله يدرس في بلد آخر داخل أوروبا حيث توجد خيارات أرخص. “اخترت فنلندا لأنها توفر تعليمًا عالي الجودة بتكلفة مقبولة. إذا تغيّر ذلك، قد أعيد التفكير في مستقبلي الأكاديمي.”

من الناحية الإيجابية، ترى إدارة الجامعة أن الرسوم الأعلى قد تتيح تحسين جودة التعليم والخدمات المقدمة للطلاب، بما في ذلك تطوير المناهج وزيادة فرص التدريب العملي. كما أن التركيز على المنح الجزئية المرتبطة بالأداء قد يشجع الطلاب على التفوق الأكاديمي. بعض الخبراء يشيرون أيضًا إلى أن هذه السياسات قد تساعد الجامعات الفنلندية على المنافسة مع جامعات أوروبية أخرى تجذب طلابًا دوليين عبر موارد مالية أكبر.

سياسيًا، أثارت المقترحات نقاشًا في البرلمان الفنلندي وبين منظمات الطلاب. الاتحاد الوطني لطلاب الجامعات (SYL) أعرب عن قلقه من أن هذه التغييرات ستقلل من تنوع المجتمع الطلابي وتضعف جاذبية فنلندا كوجهة تعليمية دولية. في المقابل، دافع بعض السياسيين عن الفكرة باعتبارها ضرورة اقتصادية، خاصة في ظل القيود المتزايدة على التمويل الحكومي للتعليم العالي. أن التغييرات المقترحة في سياسة الرسوم الجامعية لغير الأوروبيين في جامعة آلتو لعام 2025 قد تحمل فوائد محتملة للجامعات من حيث التمويل والجودة، لكنها في الوقت نفسه تُهدد فرص آلاف الطلاب الدوليين، بينهم الناطقون بالعربية، في متابعة تعليمهم في فنلندا. يبقى التحدي الحقيقي في إيجاد توازن بين الاستدامة المالية وضمان بقاء التعليم متاحًا للجميع، بغض النظر عن خلفياتهم الاقتصادية.

المصادر

Arabi.fi