شهد قطاع التعليم المهني في فنلندا عام 2025 تغييرات كبيرة أثارت قلقًا واسعًا بين الطلاب والمدرّسين، خصوصًا بعد أن أعلنت الحكومة عن تخفيضات ملموسة في التمويل المخصص له. هذه الخطوة تأتي في إطار سياسة أشمل لضبط الميزانية العامة وتقليل النفقات الحكومية، لكنها في الوقت نفسه تضع مستقبل التعليم المهني، الذي يُعتبر أحد أهم ركائز سوق العمل الفنلندي، تحت ضغط غير مسبوق. بالنسبة للطلاب الناطقين بالعربية، الذين يشكلون نسبة معتبرة في برامج التدريب العملي والفني، فإن لهذه التغييرات أبعادًا مباشرة على فرص اندماجهم في المجتمع وسوق العمل.

بحسب تقارير إعلامية فنلندية (ammatilliset.fi، 2025)، فإن التخفيضات شملت التمويل الأساسي الموجّه للمؤسسات المهنية، ما يعني تقليص الموارد المتاحة للتدريب العملي، المواد التعليمية، والدعم الإرشادي للطلاب. ووفقًا لإحصاءات وزارة التعليم والثقافة (okm.fi، 2025)، يعتمد نحو 35% من الشباب في فنلندا على التعليم المهني كمسار رئيسي، فيما تشير التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من الطلاب من أصول مهاجرة، بينهم الناطقين بالعربية، يلتحقون بهذه البرامج لما توفره من فرص عمل سريعة نسبيًا مقارنة بالدراسة الجامعية الطويلة. التحديات التي تفرضها هذه التخفيضات متعددة. أولها أن قلة الموارد قد تؤثر على جودة التدريب العملي، الذي يُعتبر جوهر التعليم المهني. فالمؤسسات قد تضطر لتقليص عدد ساعات التدريب أو تخفيض عدد أماكن التدريب العملي المتاحة بالتعاون مع الشركات. ثانيها أن تقليص أعداد المدرّسين والمتخصصين سيؤثر على مستوى التعليم المقدم، ما ينعكس سلبًا على مهارات الطلاب عند تخرجهم. ثالثها أن الطلاب الذين يحتاجون إلى دعم إضافي في اللغة أو المواد الأساسية قد يجدون أنفسهم في وضع أصعب مع تقليص خدمات الدعم الأكاديمي.

قصص الطلاب تكشف حجم المشكلة. سامر، طالب ناطق بالعربية في برنامج التمريض المهني في تامبيري، يروي أن عدد ساعات التدريب الميداني التي يحصل عليها طلاب دفعته تم تقليصها بنسبة 20% مقارنة بالسنوات السابقة. “كيف يمكننا أن نصبح ممرضين أكفاء إذا لم نحصل على فرص كافية للتدريب العملي في المستشفيات؟” يتساءل سامر. أما هدى، طالبة في برنامج الطهي في هلسنكي، فتقول إن المواد الأساسية التي تحتاجها للتدريب لم تعد متوفرة كما في السابق. “أحيانًا نضطر لمشاركة المعدات بين عدد كبير من الطلاب، وهذا يؤثر على جودة تعلمنا”، تضيف هدى.

رغم هذه التحديات، يرى بعض الخبراء أن الأزمة قد تدفع المؤسسات المهنية إلى البحث عن حلول مبتكرة. على سبيل المثال، تعزيز التعاون مع الشركات الخاصة لتمويل جزء من التدريب، أو إدخال المزيد من التكنولوجيا الرقمية في التعليم المهني لتعويض النقص في الموارد. لكن هذه الحلول تحتاج إلى وقت واستثمارات، وهو ما قد لا يكون متاحًا لجميع المؤسسات، خاصة الصغيرة منها.

من الناحية الإيجابية، أكدت الحكومة أن التخفيضات مؤقتة وأنها ستعمل على مراجعة تأثيرها بشكل دوري. وأشارت إلى أن الهدف ليس إضعاف التعليم المهني بل دفعه نحو كفاءة أعلى في استخدام الموارد. بعض الجمعيات المهنية رحبت بهذا التوجه بحذر، معتبرة أن الإصلاح قد يكون فرصة لإعادة التفكير في هيكلة التعليم المهني وتوجيهه بشكل أفضل نحو احتياجات سوق العمل. سياسيًا، أثارت هذه التخفيضات جدلاً كبيرًا. فالأحزاب المعارضة اتهمت الحكومة بتقويض مسار حيوي للشباب، خصوصًا في ظل النقص الحاد في العمالة المؤهلة في مجالات مثل الصحة، البناء، والخدمات. في المقابل، دافعت الحكومة عن القرار باعتباره ضرورة اقتصادية، مؤكدة أنها ستواصل دعم الطلاب عبر قنوات أخرى مثل القروض والدعم الشخصي.

أن التعليم المهني في فنلندا يمر بمرحلة دقيقة مع بداية 2025. التخفيضات في التمويل تضع الطلاب، خاصة الناطقين بالعربية، أمام تحديات جديدة في الحصول على تدريب عملي ذي جودة وضمان فرص عمل مستقبلية. ومع ذلك، يبقى المجال مفتوحًا أمام الابتكار والتعاون بين المؤسسات والدولة والقطاع الخاص لتجاوز هذه المرحلة الصعبة. بالنسبة للطلاب، من المهم متابعة المستجدات، استغلال كل الفرص المتاحة، والمطالبة بحقوقهم التعليمية لضمان أن تبقى برامج التعليم المهني قادرة على تزويدهم بالمهارات التي يحتاجونها في سوق العمل.

المصادر

Arabi.fi